فصل: تفسير الآيات (59- 67):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.تفسير الآيات (59- 67):

{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62) قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67)}
{وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغيب لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ} المفاتح جمع المفتح.
وقرأ ابن السميقع: بمفاتيح على جمع المفتاح، يعني ومن عنده معرفة الغيب وهو يفتح ذلك بلطفه، واختلفوافي مفاتيح الغيب.
فروى عبد اللّه بن عمر إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مفاتح الغيب خمس....... إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن اللّه عليم خبير».
وقال السدي: مفاتح الغيب خزائن الغيب. مقاتل، والضحّاك: يعني خزائن الأرض. وعلم نزول العذاب متى ينزل بكم.
عطاء: يعني ما غاب عنكم من الثواب والعقاب وما يصير إليه أمري وأمركم، وقيل: هي الآجال ووقت انقضائها، وقيل: أحوال العباد من السعادة والشقاوة، وقيل: عواقب الأعمار وخواتيم الأعمال، وقيل: هي ما لم يكن بعد إنه يكون أم لا يكون وما يكون كيف يكون وما لا يكون أن لو كان كيف يكون.
وقال ابن مسعود: أوتي نبيّكم علم كل شيء إلاّ مفاتيح الغيب {وَيَعْلَمُ مَا فِي البر والبحر}.
قال مجاهد: البر القفار والبحر كل قرية فيها ماء {وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا}.
قال ابن عباس: ما شجرة في بر ولا بحر إلاّ وبها ملك وكّل يعلم من يأكل وما يسقط من ورقها وقل منكم عند ما بقي من الورق على الشجر وما سقط منها.
وسمعت أبا القاسم بن حبيب يقول: سمعت أبا بكر بن عبدوس يقول: معناه يعلم كما تقلبت ظهراً لبطن إلى أن سقطت على الأرض {وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرض} أي في بطون الأرض، وقيل: تحت الصخرة في أسفل الأرضين {وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ} قال ابن عباس: الرطب الماء، واليابس البادية. وقال عطاء: يريد ما ينبت وما لا ينبت.
وقال الحسن: يكتبه اللّه رطباً ويكتبه يابساً لتعلم يا بن آدم إن عملك أولى بها من إصلاح تلك الجنة.
وقال: الرطب لسان المؤمن رطب بذكر اللّه، واليابس لسان الكافر لا يتحرك بذكر اللّه. وبما يرضي اللّه عز وجل. وقيل: هي الأشجار والنبات.
وروى الأعمش عن أبي زياد عن عبد اللّه بن الحرث، فقال: ما في الأرض من شجرة ولا كمغرز إبرة إلاّ عليهاملك وكل يأتي اللّه بعلمها ويبسها إذا يبست ورطوبتها إذا رطبت.
محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من زرع على الأرض ولا ثمار على أشجار ولا حبة في ظلمات الأرض إلاّ عليها مكتوب: بسم اللّه الرحمن الرحيم، رزق فلان ابن فلان وذلك قوله تعالى في محكم كتابه {ومَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرض وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ}».
{إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ * وَهُوَ الذي يَتَوَفَّاكُم بالليل} أي يقبض أرواحكم في منامكم {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بالنهار} وأصله من جارحة اليد.
ثم قيل لكل عليك جارح أي عضو من أعضائه عمل ومنه الزرع الجيد، ويقال لا ترك اللّه له جارحاً أي عبداً ولا أمة يكسب له {ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ} أي ينشركم ويوقظكم {فِيهِ} في النار {ليقضى أَجَلٌ مُّسَمًّى} يعني أجل الحياة إلى الممات حتى ينقضي أثرها ورزقها.
فقرأ أبو طلحة وأبو رجاء بالنون المفتوحة أجلاً نصب، وفي هذا إقامة الحجة على منكري البعث يعني كما قدرت على هذا فكذلك أقدر على بعثكم بعد الموت.
وقال: مكتوب في التوراة: يا ابن آدم كما تنام كذلك تموت وكما توقظ كذلك تبعث {ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} في الآخرة {ثُمَّ يُنَبِّئُكُم} يخبركم ويجازيكم {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * وَهُوَ القاهر فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً} يعني الملائكة الذين يحفظون أعمال بني آدم وهو جمع حافظ، ونظيره قوله: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} [الإنفطار: 10] قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ومن الناس من يعيش شقيّاً جاهل القلب، غافل اليقظة، فإذا كان ذا وفاء ورأى حذر الموت واتقى الحفظة، إنما الناس راحل ومقيم الذي راح للمقيم عظة {حتى إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ الموت تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} يعني أعوان ملك الموت يقبضونه ثم يدفعونه إلى ملك الموت {وَهُمْ يُفَرِّطُونَ} لا يعصون ولا يضيعون.
وقرأ عبيد بن عمر: لا يفرطون بالتخفيف معنى لا يجاوزون الحد {ثُمَّ ردوا إلى الله} يعني الملائكة وقيل: يعني العباد {مَوْلاَهُمُ الحق أَلاَ لَهُ الحكم} القضاء في خلقه {وَهُوَ أَسْرَعُ الحاسبين} يعني لا يحتاج إلى رويّة ولا تقدير {قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظُلُمَاتِ البر والبحر} إذا ضللتم الطريق وخفتم الهلاك {تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} وقرأ عاصم: وخفية وهما لغتان. وقرأ الأعمش وخفية من الخوف كالذي في الأعراف {لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هذه} أي ويقولون لئن أنجيتنا من هذه يعني الظلمات {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين} من المؤمنين {قُلِ الله يُنَجِّيكُمْ مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ} حزن {ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ * قُلْ هُوَ القادر على أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ} يعني الصيحة والحجارة والريح والطوفان كما فعل بعاد وثمود وقوم شعيب وقوم لوط وقوم نوح {أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} يعني الخسف كما فعل بقارون.
وقال مجاهد: عذاباً من فوقكم السلاطين، الذين من تحت أرجلكم العبيد السوء.
الضحّاك: عذاباً من فوقكم من قبل كباركم أو من تحت أرجلكم من أسفل منكم {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً} أو يخلقكم ويفرق ويبث فيكم الأهواء المختلفة {وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} يعني السيوف المختلفة بقتل بعضكم بعضاً كما فعل ببني إسرائيل، فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا جبرئيل ما بقاء أمتي على ذلك؟» فقال له جبرائيل: إنما أنا عبد مثلك فسل ربك؟ فقام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وتوضأ وصلى وسأل ربه فأعطى آيتين ومنع واحدة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سألته أن يبعد على أمتي عذاباً من فوقهم ومن تحت أرجلهم فأعطاني ذلك، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعني، وأخبرني جبرئيل عليه السلام أن فناء أمتي بالسيف».
وقال الزهري: «راقب خباب بن الأرت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ذات ليلة يصلي فلما فرغ، قال: وقت الصباح لقد رأيتك تصلي صلاة ما رأيتك صليت مثلها، قال: أجل إنها صلاة رغبة ورهبة سألت ربي فيها ثلاثاً وأعطاني إثنتين، وزوى عني واحدة، سألته أن لا يسلط على أمتي عدواً من غيرهم فأعطاني، وسألته أن لا يرسل عليهم سنة فتهلكهم فأعطاني، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فزواها عني».
{انظر كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيات لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ * وَكَذَّبَ} قرأ إبراهيم بن عبلة وكذبت بالتاء {بِهِ} أي بالقرآن وقيل: بالعذاب {قَوْمُكَ وَهُوَ الحق قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} أي حفيظ ورقيب وقيل: مسلط {إِنَّمَآ} أنا رسول {لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ} موضع قوله وحقيقة ومنتهى ينتهي إليه فيتبين صدقه من كذبه وحقه من باطله.
قال مقاتل: لكل خبر يخبره اللّه تعالى وقت ومكان يقع فيه من غير خلف ولا تأخير.
قال الكلبي: لكل قول أو فعل حقيقة ما كان منه في الدنيا فستعرفونه. وما كان منه في الآخرة فسوف يبدو لهم {وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} ذلك.
وقال الحسن: لكل عمل جزاء فمن عمل عملاً من الخير جوزي به الجنة، ومن عَمِل عَمَل سوء جوزي به النار، وسوف تعلمون يا أهل مكة.
وقال السدي: لكل نبأ مستقر أي ميعاد وحد تكتموه، فسيأتيكم حتى تعرفوه.
وقال عطاء: لكل نبأ مستقر يؤخر عقوبته ليعمل ذنبه فإذا عمل ذنبه عاقبه.
قال الثعلبي: ورأيت في بعض التفاسير إن هذه الآية نافعة من وجع الضرس إذا كتبت على كاغد ووضع عليه السن.

.تفسير الآيات (68- 73):

{وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69) وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70) قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71) وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (72) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73)}
{وَإِذَا رَأَيْتَ الذين يَخُوضُونَ في آيَاتِنَا} يعني القرآن الإستهزاء والكذب {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} فاتركهم ولا تجالسهم {حتى يَخُوضُواْ} يدخلوا {فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} غير القرآن، وذلك إن المشركين كانوا إذا جالسوا المؤمنين وقعوا في رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فسبوا واستهزؤا بالقرآن، فنهى اللّه المؤمنين عن مجالستهم {وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ}.
قرأ ابن عباس وابن عامر: ينسونك بالتشديد {فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذكرى مَعَ القوم الظالمين} فقم من عندهم بعد ما ذكرت ثم قال: {وَمَا عَلَى الذين يَتَّقُونَ} الخوض {مِنْ حِسَابِهِم} من أيام الخائضين {مِّن شَيْءٍ}.
قال ابن عباس: قال المسلمون: فإنا نخاف الإثم حين نتركهم فلا ننهاهم فأنزل اللّه عز وجل هذه الآية.
وقال ابن عباس في رواية أخرى: قال المسلمون: لئن كنا كلما استهزأ المشركون في القرآن وخاضوا فيه قمنا عنهم لم نستطع أن نجلس في المسجد الحرام وأن نطوف بالبيت فنزل {وَمَا عَلَى الذين يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ} {ولكن ذكرى} أي ذكروهم وعظوهم وهي في محل النصب على المصدر أي ذكروهم ذكرى والذكر والذكرى واحد ويجوز أن يكون في موضع الرفع أي هو ذكرى {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} الخوض إذا وعظتموهم، وقيل: وإذا قمتم يسعهم في ذلك من الإستهزاء والخوض. وقيل: لعلهم يستحيون {وَذَرِ الَّذِينَ اتخذوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً} باطلاً وفرحاً {وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا} وذلك أن اللّه تعالى جعل لكل قوم عيداً يعظمونه ويصلون فيه فكان قوم إتخذوا عيدهم لهواً ولعباً إلاّ أمة محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم اتخذوا عيدهم صلاة للّه.
وذكرا مثل الجمعة والفطر والنحر {وَذَكِّرْ بِهِ} وعظ بالقرآن {أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ} يعني أن لا تبسل كقوله تعالى بين اللّه لكم أن تضلوا. ومعنى الآية ذكرهم ليؤمنوا فلا تبسل نفس بما كسبت.
قال ابن عباس: تهلك، قتادة: تحيس.
الحسن، ومجاهد، وعكرمة، والسدي: تسلم للهلكة. علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس: تفضح.
الضحاك: تفضح وتحرق. المؤرخ، وابن زيد: تؤخذ.
قال الشاعر:
وإبسالي بني بغير جرم ** بعونها ولا بدم مراق

العوف بن الأحوض: وكان رهن بيته وحمل عن غنى لبني قشير دم السحقية. فقالوا: لا نرضى بك، فدفعهم رهناً، وقوله بعونا أي جنيناً، والبعو الجناية.
وقال الأخفش: تبسل أي تجزى. وقال الفراء: ترتهن.
وأنشد النابغة الجعدي:
ونحن رهناً بالأفاقة عامراً ** بما كان في الدرداء رهنا فأبسلا

وقال عطية العوفي: يسلم في خزية جهنم.
وقال أهل اللغة: أصل الإبسال التحريم، يقال: أبسلت الشيء إذا حرمته، والبسل الحرام.
قال الشاعر:
بكرت تلومك بعد وهن في الندى ** بسل عليك ملامتي وعتابي

فقال: أنشدنا بسل أي شجاع لا يقدّر موته كأنه قد حرم نفسه ثم جعل ذلك نعتاً لكل شديد. يترك، ويبقى. ويقال: شراب بسل أي متروك.
قال الشنفرى:
هنالك لا أرجو حياة تسرني ** سمير الليالي مبسلاً بالجرائر

وقوله تعالى: {لَيْسَ لَهَا} أي لتلك الأنفس {مِن دُونِ الله وَلِيٌّ} حميم وصديق {وَلاَ شَفِيعٌ} يشفع لهم في الآخرة {وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ} تفد كل فداء، {لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ}.
قال أبو عبيدة: وإن يقسطه كل قسط لا يقبل منها لأن التوبة في الحياة {أولئك الذين أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ * قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ الله} نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر حين دعا أباه إلى الكفر فأنزل اللّه تعالى قل أندعوا من دون اللّه {مَا لاَ يَنفَعُنَا} إن عبدناه {وَلاَ يَضُرُّنَا} إن تركناه {وَنُرَدُّ على أَعْقَابِنَا} إلى الشرك {بَعْدَ إِذْ هَدَانَا الله}.
وتقول العرب لكل راجع خائب لم يظفر بحاجته: ردّ على عقبيه ونكص على عقبيه فيكون مثله {كالذي استهوته الشياطين} أي أضلته.
وقال ابن عباس رضي الله عنه: كالذي استغوته الغيلان في المهامة وأضلوه وهو حائر بائر {فِي الأرض حَيْرَانَ} وحيران نصب على الحال.
وقرأ الأعمش، وحمزة: كالذي إستهوا به، بالباء. وقرأ طلحة: إستهواه بالألف.
وقرأ الحسن: إستهوته الشياطون وفي مصحف عبد اللّه وأُبي إستهواه الشيطان على الواحد.
{لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الهدى ائتنا} يعني أتوا به، وقيل: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم {قُلْ إِنَّ هُدَى الله هُوَ الهدى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ} أي لأن نسلم {لِرَبِّ العالمين * وَأَنْ أَقِيمُواْ الصلاة واتقوه وَهُوَ الذي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} إلى قوله: {يُنفَخُ فِي الصور}.
قال أبو عبيدة: هو جمع صورة مثل سورة وسور.
قال العجاج:
ورب ذي سرادق محجور ** سرت إليه في أعالي السور

وقال آخرون: هو فرن ينفخ فيه بلغة أهل اليمن.
وأنشد العجاج:
نطحناهم غداة الجمعين ** بالضابحات في غبار النقعين

نطحاً شديداً لا كنطح الصورين

يدل على هذا الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم كيف أنعم صاحب القرن قد أكتم القرن وحنى حنينه وأصغى سمعه فنظر متى يؤمر فنفخ، ثم قال: {عَالِمُ الغيب والشهادة وَهُوَ الحكيم الخبير}.